18-08-2012 – بانوراما التأمين

عمان – تطفو على السطح محاولات جادة للارتقاء بمتطلبات اجتياز امتحان شهادة الدراسة الثانوية، وتعديلات على العوامل الداخلة في أساسيات التقييم. وثمة سؤال مطروح منذ سنوات هو: أليس هناك فائدة اقتصادية واجتماعية وتعليمية في إدخال التأمين مادة تعليمية ضمن خطوات الارتقاء بمتطلبات الدراسة في المرحلة الثانوية، وبشكل خاص امتحان التوجيهي؟
الإجابة يمكن إيضاحها من خلال عدد من المعطيات الاقتصادية والتأمينية، والغالبية يتابعون متغيرات السوق وتعقيدات الشروط والمبادئ ومستلزمات التعويض عن الحوادث. وهذا يقودنا إلى حقيقة أن التأمين حاجة اقتصادية واجتماعية ملحّة، وهو المرآة العاكسة لمحورين: إدارة المخاطر، وضمان استمرارية البعد المادي للشيء المتضرر بعد وقوع الخطر، من خلال التعويض المادي المقرر أو المتفق عليه، والذي تلتزم شركة التأمين بدفعه بموجب الوثيقة لحاملها أو للجهة المستفيدة المحددة في الوثيقة.
وعمليا، نحن أمام حلقة مفقودة، هي أهمية ما يجب أن يفهمه الطالب عن التأمين بين النظرية والتطبيق، خاصة وأنه مقبل على الانخراط في الجامعات، وشق طريقه للاستقلال في قيادة المركبة أو السكن أو السفر أو الحصول على التأمين الصحي.. وبالتالي التهيئة للانخراط في سوق العمل وأروقة المجتمع، واحتمالية تعرض الفرد لمخاطر تتطلب منه اتخاذ إجراءات وقائية وأخرى احتياطية وتعويضية في حال وقوع الخطر.
وتتطلب مثل هذه الحقيقة نشر الثقافة التأمينية بين صفوف طلبتنا في مرحلة النضوج، وتهيئتهم للانخراط باستقلالية في المجتمع، وفي الوقت ذاته بث درجة عالية من التوعية التأمينية بين صفوف هؤلاء الطلبة، وتعزيز دورهم المجتمعي للإسهام بفعالية في تدعيم متطلبات الثقافة التأمينية، تطبيقا لحكمة: فاقد الشيء لا يعطيه.
ويكمن الجانب الأهم في هذا الموضوع في كيفية إنماء الوعي التأميني بين أروقة المجتمع، وما هو الواجب اتخاذه لإعطاء التأمين صفة الإلزامية ضد خطر الكوارث الطبيعية، وفوق كل ذلك، كيف ومتى ولماذا يتوجب بناء وتعزيز جسور الثقة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة والناس الذين يخدمهم قطاع التأمين وبين شركات التأمين العاملة في القطاع.
إن إنماء التوعية التأمينية هدف منشود. وإن المطالبة باتخاذ كل ما من شأنه زيادة الوعي التأميني لدى مختلف فئات المجتمع هو هدف ونتيجة في وقت واحد. وإن المعالجة السليمة للتأمين الإلزامي للمركبات يجب أن لا تتوقف عند حدود تغيير النصوص، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية في آلية التطبيق. كما أن التعامل مع حوادث الكوارث العامة يجب أن لا يقف عند حدود الإجراءات الوقائية والتدريب والمعالجة اللوجستية عند وقوع حادث من هذا القبيل، وإنما لا بد أن يتم تضمين الأنظمة والقوانين، وحتى المناهج المقررة في المدارس الثانوية، مواد هادفة إلى إنماء الوعي التأميني لدى فئات المجتمع. ولإلقاء الضوء على هذا البعد الحضاري، فإنه يتوجب التأكيد على محورين، هما:
أولا: يعتبر التأمين المحور الارتكازي في اقتصادات الدول المتطورة. فالاقتصاد المتطور بحاجة إلى تأمين متطور. وحتى نستطيع الارتقاء بالخدمة التأمينية، لا بد وأن يتوفر في أروقة المجتمع مطلب أساسي يتكون من شقين: أولهما، وعي تأميني قائم على قناعة بأن التأمين يعني الحماية المادية من الخسائر الناجمة عن الأضرار المرتبطة بالمخاطر المغطاة تأمينيا عند وقوعها، وأن هذه المخاطر تتصف بالاحتمالية، فهي ليست مؤكدة أو مستحيلة الوقوع. وثانيهما، يجب أن نسعى من خلال إقرار القوانين لأي نوع من الخدمات التأمينية إلى إعادة روح الثقة بين المؤمن له وشركة التأمين. ففقدان الثقة يشكل عقبة كبيرة أمام نجاح أي مساع وبرامج هادفة إلى إنماء الوعي التأميني.
ثانيا: إن إدخال التأمين ضمن المناهج التعليمية لطلبة المرحلة الثانوية هو انعكاس وبلورة عملية لمسؤولية مساندة هيئة التأمين في كل خطوة هادفة نحو إزالة عدم الثقة بين المواطن وشركات التأمين. وعمليا، يمكن لهذه الجهود أن تؤتي ثمارها إذا سارت بالطريق الصحيحة، وطبقنا بدقة ووضوح على أطراف المعادلة منظومة الحقوق والواجبات لكل من المواطن وشركة التأمين التي يتعامل معها. وإن كل من يطلع على المبادئ القانونية في التأمين والخطر، يعرف جيدا أن المبدأ الرئيس في العمل التأميني هو "مبدأ منتهى حسن النية". وحيثيات هذا المبدأ تنطبق على شركة التأمين، تماما كما تنطبق على المواطن "المؤمَّن له". والسؤال هو: كيف يمكن للوطن أن ينشر ثقافة مجتمعية واقتصادية حول هذه المفاهيم، بدون أن ترسخ في عقول طلبتنا في مرحلة النضوج، وتبقى معهم قابلة للتحديث والتطوير سنة بعد أخرى؟
إنها رسالة مباشرة إلى المختصين والخبراء، لتضمين التأمين في المناهج التعليمية المقررة لمرحلة الصفين الأول والثاني الثانوي. ولا يختلف اثنان أن اتخاذ مثل هذا الإجراء ستكون له انعكاساته الإيجابية اقتصاديا وسوقيا واجتماعيا على الحياة اليومية لمختلف الفعاليات المجتمعية.. فهل نبدأ؟