جهود طيبة يبذلها كل من هيئة التأمين والاتحاد الأردني لشركات التأمين بخصوص الترتيب بجدية نحو وضع اللبنات الاولى في برنامج تحرير التأمين الإلزامي على المركبات، حيث اعلنت الهيئة ان نتائج دراسة تحرير الأسعار سيكون في نهاية هذا الشهر ايلول 2012.. والمعروف ان الحكومة السابقة اقرت البدء بالتنفيذ اعتبارا من بداية 2013!!
لكن السؤال المطروح هو: لماذا اللقاءات المكثفة حول هذا الموضوع مع وفد من البنك الدولي.. وهل فعليا ستؤدي هذه اللقاءات الى ضمان حصول كافة المواطنين على التغطية التأمينية المناسبة بالسعر العادل، كما اعلنت هيئة التأمين!؟
والى أي مدى يمكن ان تسهم دراسة البنك الدولي لموضوع تعويم أسعار التأمين الإلزامي ووضع الضوابط اللازمة له، في تحقيق الهدف ضمن اطار الحرص على ان يتم وضع الضوابط وتحرير الأسعار من قبل جهة محايدة.. وان يصب تعويم أسعار التأمين الإلزامي في مصلحة الشركات والمواطنين على حد سواء!!

وهل يقتنع المواطنون ان تعويم أسعار التأمين الإلزامي يتماشى مع سياسة الاقتصاد الحر والمفتوح التي انتهجها الأردن منذ اكثر من 15 عاما تقريبا، وباتت كافة الأسعار محررة باستثناء التأمين الإلزامي على المركبات!؟ كما أوضح المسؤولون في اتحاد الشركات!!
واقع الحال.. ان السوق الأردنية لا تعكس أسعارا محررة بعيدة عن تدخل الدولة في كثير من النواحي الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية.. كما ان خبراء البنك الدولي غير متعايشين مع اوضاع السوق الأردنية في جوانبها التطبيقية، بقدر ما هم قادمون لاعطاء نظريات نموذجية من خلال تجاربهم في اسواق مختلفة في ابعادها التنظيمية والاقتصادية، عما هو الحال عليه في مجتمعاتنا ومدننا وقرانا الأردنية!!
اننا نعيش التفاؤل الذي عبر عنه المختصون في الهيئة والاتحاد.. واننا مع اتخاذ كل اجراء من شأنه وضع الضوابط الكفيلة بتحسين وضع التأمين الإلزامي الذي انتابه الكثير من العثرات على مدار السنوات الماضية.. واعتبره المسؤولون في القطاع سببا رئيسا لنزيف الخسائر الذي لحق بشركات التأمين.. وأدى في فترة ما الى عزوف شركات عن التعامل مع تأمينات المركبات!!
واريد ان اذكر هؤلاء الزملاء الذين عايشوا قدوم الايرلنديين الى الأردن العام 1996 عندما توجهت الدولة نحو تأسيس هيئة التأمين.. وقررت اجراء توأمة بين سوقي التأمين الأردني والايرلندي.. وكنت واحدا من بين الذين تم الطلب اليهم تقديم شروحات تحليلية حول سوق التأمين المحلي ومتطلبات تطويره.. وكان التركيز على تحليل الفوارق بين صفات السوقين، والتركيز على الشروط المناسبة لمجتمعنا وأسواقنا واقتصادنا للاستفادة منها!!
والحال الآن مماثل.. وان الضوابط والشروط التي يقدمها وفد البنك الدولي لن تكون مناسبة بكاملها للسوق المحلية، ولكن يمكن الاستفادة من البعض من مكوناتها في الجانب التطبيقي!!
إذن.. من المتوقع ان تواجهنا منظومة شروط تأمينية غريبة عن مقوماتنا الاقتصادية والمجتمعية.. وان الانطلاق قدما يستدعي تطوير شروط واحكام التأمين الإلزامي على المركبات، من خلال بحث البدائل الممكنة التي تضمن المصلحة العامة، وحق المواطنين في التعويضات المستحقة.. وبالوقت ذاته، أن تسهم بفعالية في خدمة ومساندة سوق التأمين المحلية، التي تشكل شركاته جزءا لا يتجزأ، من منظومة الاقتصاد الوطني !!
وفي هذه الفترة الانتقالية التي يمر بها التأمين الإلزامي على المركبات .. هناك العديد من الاسئلة المطروحة، ولكن نظرا لضيق المساحة المسموح بها لهذا التحليل، فانني ارغب التوقف عند نقطتين هما:
أولا: طالما اقرت الدراسات المعلنة من اتحاد الشركات بان 80 % يمكنهم الاستفادة من ميزة الخصومات التي تمنح للسائقين غير المسببين للحوادث.. وان نسبة 20 % المتسببين بالحوادث يتم فرض أسعار اضافية عليهم بنسب تصل الى 100 % اضافية!! إذن.. تقتضي ابسط مبادئ العدالة رفع نسبة الخصم الممنوح الى غير المتسببين بشكل متدرج من
15 % الى 50 %، بدلا من اعتبار نسبة
15 % سقفا للحوافز!! وبهذه الطريقة يستطيع القطاع تحسين فجوة الثقة بين الشركات والمواطنين!!

ثانيا: سبق ان اصدرت هيئة التأمين تعليمات بشأن وجوب معالجة المطالبات الواردة الى الشركات خلال مدة خمسة ايام عمل من تاريخ المطالبة.. وان يتم ابلاغ طالب التعويض في حال رفض المطالبة، باسباب الرفض خطيا، خلال خمسة ايام.. وان يتم صرف مبلغ التعويض، في حال قبول المطالبة والاتفاق عليها خطيا، خلال مدة لا تتجاوز يومي عمل، من تاريخ الاتفاق على قيمة المطالبة!! فهل تنص الضوابط والشروط المنوي وضعها مع البنك الدولي على كيفية الالتزام بهذه التعليمات!؟

وخلاصة القول.. ان المراحل التي تمر بها اللقاءات مع وفد البنك الدولي بشأن البدء بتطبيق تعويم التأمين الإلزامي مع بداية 2013، يجب ان تكون مرآة عاكسة لتحقيق متطلبات العدالة بين طرفي المعادلة وهما شركات التأمين وحملة الوثائق، حتى تصل السوق المحلية الى مرحلة من التوازن، وما لها من انعكاسات هادفة اقتصاديا واجتماعيا!! فهل نسير نحو الهدف !؟