21-05-2012 – بانوراما التأمين

يعقد الاتحاد العربي للتأمين مؤتمره العام هذه السنة في دورته التاسعة والعشرين في مدينة مراكش خلال الفترة من 21 -23 من الشهر الجاري, وقد اختار عنوانا له: "التأمين وعوامل التغيير في الوطن العربي في الظروف الراهنة", ليؤكد مدى ارتباط قطاع التأمين عموما بالاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها اكثر من دولة عربية نتيجة للثورات التي اجتاحت المنطقة خلال الشهور الماضية.

ان مؤتمر مراكش للتأمين الذي يقام برعاية كريمة من لدن جلالة ملك المغرب الملك محمد السادس, ويحضره مئات الخبراء التأمينيين من العرب والاجانب للمشاركة بفعالياته, يعتبر من اهم المؤتمرات التأمينية في المنطقة في الوقت الحاضر, ليضفي المزيد من الاهمية الاقتصادية لقضايا التأمين العربية. لقد القت الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة بظلالها القاتمة على اقتصادات دول عربية كثيرة شهدت ساحاتها ثورات واضطرابات انعكست نتائجها على كل قطاعاتها الاقتصادية, بل وتجاوزت تأثيراتها الحدود الجغرافية لهذه الدول.

وهو الامر الذي دفع بكبرى شركات التأمين العربية والعالمية لرعاية المؤتمر والمشاركة المادية والعملية بفعالياته, ما يؤكد ليس اهتماما بالثقافة التأمينية فحسب, وانما ترسيخ اهمية هذا الحدث العلمي الاقتصادي ايضا.

لقد دأبت غالبية شركات التأمين الكويتية على المشاركة في كل المؤتمرات المتعلقة بصناعة التأمين من اجل الاستزادة من خبراتها في هذه المناسبات الاقتصادية التي تثري الفكر التأميني وتزيد من القدرات الفنية للعاملين فيها وتنمي ثقافتهم ووعيهم في هذا المجال.

اذا كانت الكيانات التأمينية العربية في السابق هي التي تفرض المواضيع الرئيسية ضمن حوارات ونقاشات المؤتمرات التي تنظمها من اجل تطوير صناعة التأمين العربية, الا ان هذه المرة سيجد المشاركون انفسهم وقد اجبرت على مناقشة التطورات السياسية المتلاحقة في كثير من الدول العربية, ليتدارسوا انماط هذه المستجدات وليضعوا معايير اقتصادية جديدة في كيفية التعامل حتى تنعكس نتائجها ايجابا على قطاع التأمين, وبالتالي ليتمكنوا من ايجاد فرص استثمارية واعدة ولتكون الخدمات والمنتجات التأمينية الجديدة جاهزة لاقتناصها.

وبمعنى اخر ان الاوضاع السياسية في الوطن العربي وتأثيراتها على مجمل الاقتصادات العربية هي التي فرضت نفسها على جدول اعمال مؤتمر مراكش للتأمين, لتتبوأ القضايا السياسية وتأثيراتها الاقتصادية موقعا متقدما على سلم الاولويات التأمينية, كما ان مجرد الغياب الجزئي لدور الدولة في رعاية المواطنين بسبب هذه الاحداث السياسية المتمثلة بتعدد اشكال الثورات العربية, اعاد الى الاذهان اهمية التأمين كضامن لمستقبل الفرد والاسرة والمجتمع ككل, مثلما اكد الوضع العربي الطارئ ان التأمين واعادة التأمين هما من اهم مقومات استقرار المجتمع المدني, ومن مكونات اقتصادات الدول العصرية, حتى وان تأثرت سلبا او ايجابا بالتحولات السياسية والاقتصادية غير المتوقعة.

ان اهمية هذا التجمع التأميني بالنسبة للدول العربية والاجنبية تبرز الى الواقع العملي عندما يضع منظموه امام المشاركين قضايا مصيرية ذات اهتمام مشترك, مثل التشريعات التأمينية واساليب تنظيم اسواق التأمين واعادة التأمين ليس في البلدان العربية فحسب, وانما في البلدان الاجنبية ايضا وهي بلدان وجد بعضها في حالة عدم الاستقرار العربي فرصة مواتية لدفع اسعار التأمين نحو الارتفاع, ولا يتأتى تنظيم هذه الاسواق الا من خلال التبادل المنظم للمعلومات والخبرات وتدارس مختلفة التحديات المحيطة ببيئة التأمين في الوطن العربي, بالاضافة الى تناول المسارات الجديدة لصناعة التأمين واعادة التأمين الناجمة عن المستجدات السياسية والاقتصادية ومحاولة تحديد الحلول المناسبة ليضطلع المشاركون بدورهم الكامل في مجال تأمين الاشخاص والممتلكات والاستثمار التأميني, ولهذا نؤكد ان هذه النقاشات لابد ان تفتح آفاقا جديدة امام الاستثمار الناجح في قطاع التأمين خلال المستقبل المنظور.

ان موضوع المؤتمر يعد من المواضيع الساخنة التي تحظى بمتابعة من شتى الفعاليات الاقتصادية, واذا كان التأمين بجميع مكوناته ومنتجاته وخدماته يعتبر واحدا من اهم مقومات اقتصادات الدول, فلابد ان يتأثر ويؤثر بالتغيرات التي تطرأ على حياة الناس, كأي مستجدات سياسية او اي متغيرات اقتصادية او اي تحولات اجتماعية طارئة في حياة الشعوب.

لاحظ ان مؤتمر مراكش للتأمين يناقش مشكلة عامة تهم العالم كله بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص, وهو تأثير الاوضاع الراهنة على التأمين في الوطن العربي, حيث سيناقش المشاركون هذه الاوضاع من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومحاولة ايجاد الحلول الناجعة لتطوير اداء صناعة التأمين في الدول العربية, وهذا هو منطق الامور والمسار الصحيح للمؤتمرات العلمية والوضع الطبيعي للملتقيات المتخصصة, ولا يكسر ظهر المؤتمرات والملتقيات الاقتصادية الا تلك الجلسات التي تستضيف غرباء عن مجتمع المضيف ثم تتناول هموم ومشكلات خاصة ببلد المضيف, بدلاً من محاولة توسيع رقعة الفائدة.

وهذا هو الفشل بعينه, اذ لا يعقل ان يخرج المشاركون الاجانب الذين لا يمتون بصلة الى مجتمع المضيف بتوصيات ختامية تخص فئة محددة دون الفئات الاخرى.

وبمعنى اخر لا يعقل ان اخصص مؤتمرا عالميا حول التأمين ليخرج بتصويات تخص التأمين في دولة بعينها ودون غيرها من الدول.

ولهذا فإن المشاركين في مؤتمر مراكش وبهدي من عنوان المؤتمر سيعملون جميعا على التعريف بالمسارات الجديدة وتحديد الحلول المناسبة لكي تتمكن صناعة التأمين واعادة التأمين من الاضطلاع بدورها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ايضا, وهذا ما يدفعنا الى التأكيد على امكانات مؤتمر مراكش في تحقيق نجاحات باهرة, تماما كما نتمنى ان يحقق الملتقى التأميني الثاني كل النجاحات في الكويت.

وطالما كانت اغلب – ان لم يكن كل – شركات التأمين الكويتية مشاركة في مؤتمر مراكش, كنت اتمنى لو ان احدى شركاتنا الوطنية العريقة ساهمت برعاية مثل هذا المؤتمر العالمي لتأكيد اهتمام الكويت بالاعلام التأميني ولابراز اهمية الثقافة التأمينية في خططها المستقبلية, فمن بين الرعاة لم اجد سوى شركة تأمين خليجية واحدة وهي الشركة السعودية لاعادة التأمين, فهل نجد مثل هذا التوجه الاعلامي مستقبلا? نرجو ذلك.

كلمة اخيرة: اذا كان الاتحاد العام العربي للتأمين قد انشئ في القاهرة سنة ,1964 ويعقد مؤتمره العام بشكل دوري كل سنتين في احدى الدول العربية الاعضاء بالاتحاد, فإن الشواهد تؤكد لنا ان الدورة المقبلة للمؤتمر ستعقد في القاهرة خلال العام ,2014 ليحتفل الاعضاء بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس الاتحاد في نفس المدينة التي شهدت ولادته, ولنقول حينها: ايها التأمينيون ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين.