27/05/2012 – بانوراما التأمين

يريد نيخيل سرينيفاسان، وهو الرجل الذي يقرر أين يضع أصول واحدة من أكبر صناديق التأمين في العالم، أن يعرف لماذا يجب عليه الاستثمار في الأسهم. وقال مدير الاستثمار في أليانز لإدارة الاستثمارات من مقره في مدينة ميونخ :" إننا نقدم ما يريده حاملو وثائق التأمين، ولذا ليس هناك حاجة إلى أن نصبح عدوانيين حيال الأسهم".

يذكر أن استثمارات أليانز، التي يبلغ إجمالي أموالها المدارة ما يقرب من 1.7 تريليون يورو، في الأسهم تبلغ 6 في المائة فقط من محفظة التأمين الخاصة بها، بينما تبلغ استثماراتها في السندات 90 في المائة. ومنذ عقد من الزمن، بلغت قيمة استثماراتها في الأسهم 20 في المائة. وهي ليست وحدها في هذا الصدد: فقد قلص المستثمرون من المؤسسات، من صناديق المعاشات التقاعدية إلى صناديق الاستثمار المشترك التي تباع مباشرة للجماهير، حيازاتهم في العقد الماضي. ولم تكن الأسهم بغيضة على مدار نصف قرن، ولكن أعلن الكثيرون أن "عبادة الأسهم " قد انتهت.

وتجدر الإشارة إلى أن تداعيات ذلك أصبحت ملموسة، وحتى شركة فيسبوك العملاقة تجد صعوبة في زيادة رأس مال الأسهم. ولارتفاع تكلفة تمويل الأسهم، تفضل العديد من الشركات رفع الديون بدلاً من ذلك أو التوقف عن اللجوء إلى الأسهم. ويذكر أن سيطرة ملاك الأسهم تتقلص حالياً نتيجة تراجع أسواق الأسهم مما يحد من سيطرة حملة الأسهم على الشركات – ويمثل تحدياً للمفاهيم المقبولة المتمثلة في ملكية الشركات.

وبعودة الأسهم إلى معدلات ثابتة تقريباً لأكثر من عقد من الزمن، قلت الحوافز التي تحمل المستثمرين على المخاطرة بتمويل شركات أصغر وأكثر مغامرة – مما يؤدي إلى تراجع العملية التي أعطت المديرين المرونة التي يحتاجون إليها لتحقيق النمو. ويذكر أن الرأسمالية مع تمويل أقل للأسهم ستعقب نموذجا أكثر تحفظاً.

وقال أندرياس أوترمان، مدير قسم الاستثمار في أليانز الذي يدير أصولا بقيمة 300 مليار يورو لعملاء من الخارج :"ما يحدث هو أن المبادئ الأساسية للمجتمع الرأسمالي أصبحت موضع شك".

وتوقع أوترمان أن يؤدي ذلك إلى تحول كبير من المدخرين إلى "التبذير وعدم المسؤولية" نتيجة تراجع فوائد الادخار طويل المدى. وأضاف "ويكمن الخطر في أنه سيكون هناك رد فعل عنيف من قبل المدخرين وسيكون لذلك تأثيراً ملموساً مجتمعياً وسياسياً وعلى المستويين الإقليمي والعالمي، ونحن لا نزال في بداية العملية".

ولم تبد الأسهم رخيصة بصورة كبيرة على مدار نصف قرن مقارنة بالسندات، حيث انخفض العائد الربحي خلال هذه الفترة، وهو المبلغ المدفوع في شكل أرباح عن السهم الواحد مقسوماً على سعر السهم وهو يعد مقياساً أساسياً للقيمة، عن العائد الذي تحققه السندات ( والذي يتحرك في اتجاه عكسي مع الأسعار). وبعبارة أخرى، كان المستثمرون سعداء بالحصول على سعر فائدة منخفض من الأسهم عنه من السندات رغم تقلبها بصورة أكبر مما يعكس ثقتهم بأن العائدات من الأسهم ستكون أعلى على المدى الطويل.

ولكن المستثمرين يرغبون حالياً في الحصول على عائد أعلى من الأسهم. ووفقاً لروبرت شيلر من جامعة بيل، بلغ العائد الربحي على الأسهم الأمريكية اليوم 1.97 في المائة، أي أنه يفوق العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات والذي بلغ 1.97 في.

ويأمل البعض أن تكون الدورة على وشك التغير وأن تظهر الشروط المسبقة لفترة جديدة من عبادة الأسهم حتى إذا استغرق ذلك بعض الوقت. ومع ذلك، يشك قلة من الناس أن الفترة القديمة من عبادة الأسهم قد انتهت.

ويعد ذلك أمراً مذهلاً في ضوء الأدلة الدامغة على تفوق الأسهم على المدى الطويل. ووفقاً لمعيار يتم استخدامه على نطاق واسع تقوم عليه كلية إدارة الأعمال في لندن، تغلبت الأسهم على التضخم في الفترة بين 1900 و 2010 بنسبة 6.3 في المائة سنوياً في الولايات المتحدة مقارنة بـ 1.8 في المائة فقط للسندات. وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بلغت مخصصات صناديق التقاعد العامة للأسهم 70 في المائة منذ 10 سنوات فقط، ولكنها انخفضت حالياً إلى 40 في المائة في المملكة المتحدة و 52 في المائة في الولايات المتحدة.

ويرجع ذلك إلى عاملين حاسمين على الأقل يتمثل أولهما في انهيار اثنين من أسواق الأسهم منذ عام 2000 مما أدى إلى زعزعة الثقة بالأسهم، بينما يتمثل الآخر في مواجهة المؤسسات لضغوط تجارية وتنظيمية للانسحاب من الاستثمار في الأسهم.

وبالفعل لم تكن الأسهم رخيصة بصورة كبيرة مقارنة بالسندات منذ عام 1956، والتي تبين أنها واحدة من أفضل الفترات في التاريخ لشراء الأسهم. وقد أعلن البريطاني جورج روس جوبي، مدير أحد الصناديق والذي كان يدير صندوق إمبريال توباكو للمعاشات التقاعدية، أنه كان يحول محفظته المالية بالكامل إلى أسهم، مما يؤدي إلى إشعال فتيل عبادة الأسهم نتيجة تجاوز عائدها الربحي لعائدات السندات.

ويرى البعض أسباباً مشابهة تدعو اليوم إلى التفاؤل على المدى الطويل- على الأقل لأن الحكومات والأسر التي كانت مثقلة بالديون استكملت عملية تقليص المديونية ـ. وقال أمين راجان من ريسيرش كرييت كونسلتنسي لإدارة الصناديق: "تقدر الأسهم الآن بأقل من قيمتها بكل المقاييس، وهناك كمية كبيرة من الأموال على الهامش في انتظار الضوء الأخضر على جبهة الديون، وقد نرى أكبر موجة صعود في أولى الإشارات إلى انفراجة حقيقية".

ونشر جولدمان ساكس هذا العام تقريراً حظي باهتمام كبير جاء فيه:"نعتقد في ظل التقييمات الحالية أنه قد حان الوقت لنقول: "وداعاً" للسندات وأن نلجأ إلى شراء الأسهم لأننا نتوقع أنها ستبدأ في الاتجاه الصعودي خلال السنوات القليلة المقبلة".

ومع ذلك، فإن هذا الرأي يدور حول السندات أكثر منه حول الأسهم. ومع الانهيارات الحالية والتي سبقها أسواق صاعدة كبرى، لم يكن أداء الأسهم علي مدار الثلاثين عاماً الماضية غير عادي من الناحية التاريخية، ولكن بلغت العائدات على سندات الخزانة الأمريكية ذروتها في 1981 وارتفعت أسعار الديون السيادية العالمية باطراد منذ ذلك الحين. وتجدر الإشارة إلى ارتفاع أسعار السندات الحكومية في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى في التاريخ ويرجع ذلك أولا إلى نجاح بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في السيطرة على التضخم ( عدو حملة السندات) فضلاً عن وضعها الذي اكتسبته أخيراً (كملاذ آمن) في الوقت الذي يسعى فيه المستثمرون لحماية أنفسهم من المخاطر التي يتعرضون لها في أي مكان آخر.

ولا يمكن أن يستمر هذا الاتجاه لفترة أطول دون أن تشهد العائدات على السندات تحولاً سلبياً – مما يعني أن المستثمرين سيدفعون للحصول على ميزة إقراض الحكومة.

وقال إيان هارنيت من أبسوليوت استراتيجي ريسيرتش في لندن إن الأموال قد تبدأ في التدفق مجدداً في استثمارات الأسهم بمجرد أن تبدأ عائدات الأسهم في العودة إلى معدلاتها الطبيعية تاريخياً، مما سيعني بيع المستثمرين للسندات والبحث عن أوجه استخدام جديدة لأموالهم، ولكن شأنه شأن الآخرين متردد في القول إن اللحظة قد حانت حيث لا تزال تدفع الحكومات والبنوك المركزية المستثمرين نحو الاستثمار في السندات، "فلا زلنا في أسواق مسيسة، وهذا يعني أنك تغامر لأنك لا تعلم ماذا سيفعل الساسة في الخطوات المقبلة".

وفي الوقت ذاته، يؤكد مديرو الصناديق على الحوافز التنظيمية المتزايدة لشراء السندات، وهي الظاهرة التي تعرف حالياً بـ " القمع المالي". وقال أوترمان من أليانز:"تحاول الحكومات تقليص المديونية خلسة وتشجع البنوك على امتلاك ديون سيادية بقدر استطاعتها. وأصبح امتلاك أصول خطرة أكثر صعوبة نتيجة استهدافها من قبل كافة الجهات التنظيمية".

وفي العقود القريبة من انفجار فقاعة التكنولوجيا عام 2000 والتي أدت إلى زعزعة الثقة بالأسهم للمرة الأولى، قامت الحكومات بتغيير المعالجات الضريبية على الأرباح وأصرت على تقييم الشركات والبنوك للأصول كما يتم تداولها في الأسواق وليس على أساس النماذج والافتراضات وقامت بتغيير قواعد المحاسبة المتعلقة بكيفية تقييم الشركات لوعود المعاشات للعاملين وحثت مديري المعاشات التقاعدية على شراء السندات عن طريق إجبارهم على مطابقة أصولهم للالتزامات المستقبلية.

وقال كيث سكوتش، الرئيس التنفيذي لستاندارد لايف إنفستمنتس والتي تعد من أكبر مديري الصناديق في المملكة المتحدة حيث تدير أصولا تقترب قيمتها من 200 مليار جنيه استرليني: "ولدت هذه التطورات نظاما رقابيا لصناديق التقاعد وشركات التأمين المسايرة للتقلبات الاقتصادية الدورية. وحتى مع انخفاض عائدات السندات وارتفاع أسعارها وانخفاض أسعار الأسهم، يجبر هذا النظام المؤسسات على حيازة أصول خالية من المخاطر".

يذكر أن الضغوط لخفض نسبة الأموال المستثمرة في الأسهم أصبحت ملموسة في كافة أنحاء صناعة الادخار. وأشار ألسدير ماكدونالد من تاورز واتسون، وهي واحدة من أكبر الشركات الاكتوارية في العالم، أن مدخرات المملكة المتحدة وصناديق التقاعد التي تستخدم النموذج الربحي التقليدي، حيث يتم الإعلان عن مكافأة للمدخرين كل عام، تنسحب أيضا من الاستثمار في الأسهم. ورغم أنها أكثر تسامحاً تجاه المخاطر من صناديق التأمين، إلا أنه لا يتم إجبارها على "التحرر من المخاطر" ولديها متطلبات سيولة مالية أقل مشقة.

وفي حالة ارتفاع الأسهم وتراجع السندات، من المرجح أن تلجأ هذه الصناديق إلى بيع المزيد من الأسهم بدلاً من تخزينها. ويتوقع ماكدونالد أن تتقلص حيازات الأسهم مجدداً بمعدل النصف في العقدين المقبلين.

وفي الوقت ذاته، يتم دفع صناديق التقاعد للشركات والمهن للخروج من استثمارات الأسهم. ويذكر أن صناديق التقاعد ذات المنفعة المحددة أو"الراتب النهائي" في بلدان العالم المتقدم تتخلى حالياً عن الأسهم نتيجة ضغوط من الخبراء الاكتواريين في الوقت الذي تقترب فيه المخططات من اكتمالها. وقد أدى التحول المطرد إلى المعاشات ذات الاشتراكات المحددة، والتي لا تضمن دخلا ثابتا والتي يتعين فيها على المدخرين الأفراد قرارات خاصة بالاستثمار، إلى تراجع حجم الأسهم حيث يميل المستثمرون من القطاع الخاص إلى التحفظ بصورة أكبر. وكذلك أدى التحفظ الذي يتسم به المستثمرون الأفراد إلى خروج أموال من صناديق الاستثمار الجماعي. وفي الولايات المتحدة، تجاوزت التدفقات على صناديق السندات نظيرتها على صناديق الأسهم بشكل سنوي منذ عام 2007، مع وجود استردادات صافية ومباشرة من صناديق الأسهم في كل عام من الأعوام الخمسة الماضية.

وبالنسبة لماكدونالد، تتلخص المسألة فيما إذا كانت هناك سندات تكفي لتلبية الطلب عليها. وقال:"هل يعقل كل ذلك؟ ليس هناك ما يكفي من السندات في العالم". وإذا كان الأمر كذلك، فقد يستمر انخفاض عائدات السندات بشكل غير عادي الأمر الذي من شأنه أن يؤجل العودة المنشودة إلى الأسهم.

وأوضح أوترمان أن "السنوات العشر الماضية كانت بغيضة بشكل عام، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لما تتراجع أسواق الأسهم بصورة أكبر؟".

والإجابة عن هذا السؤال هي أن تراجع الطلب على الأسهم أدى إلى تراجع العرض. وتقوم الشركات بإعادة شراء أسهمها، وهو الأمر الذي يكون منطقياً إذا كانت التقييمات رخيصة، في حين يجبرهم المستثمرون على دفع أرباح عالية. وفي ظل انخفاض أسعار الفائدة، غالباً ما يتم تمويل عمليات الاستحواذ عن طريق الديون وليس الأسهم مما يؤدي إلى تراجع الأسهم بشكل عام.

ووفقاً لروب باكلاند من سيتي جروب والذي أطلق على هذه الظاهرة في عام 2005 e-equitisation، جاء صافي إصدار الأسهم في الولايات المتحدة سلبياً في العام الماضي تماماً كما كان في أوروبا فيما بين عامي 2003 و 2007. ويذكر أن معدل إصدار الأسهم في كافة أنحاء العالم المتقدم يقل كثيراً عما كان عليه في التسعينيات ولم يشهد إلا تعافياً ضعيفاً منذ أزمة الائتمان.

ويرى باكلاند أن هذا هو "الرد المنطقي على التراجع الواضح في إقبال المستثمرين على الأسهم على مدار العقد الماضي". ولكن هذا يعني أيضاً الرأسمالية كما يتم تصورها حالياً، حيث يكون مديرو الشركات مسؤولين أمام الملاك من خلال سوق الأسهم، معرضة للخطر.

وفي ظل الضغوط التي يواجهها مديرو الصناديق لشراء السندات واكتفاء الشركات بالتكيف مع ذلك بدلاً من خلق الظروف التي ربما تؤدي إلى استعادة الأسهم بريقها مجدداً، يسهل التعرف على سبب اعتقادهم أن الفترة القادمة من عبادة الأسهم لا تزال على بعد قرن من الزمن. ويرى أوترمان أننا "لن نشهد تدفقاً طبيعياً على الأسهم لمدة السنوات الخمس أو العشر المقبلة، فقد تغيرت قواعد اللعبة".

توزيعات الأرباح .. لحظة روس جوبي

هل هذه هي لحظة روس جوبي؟ اشتهر جورج روس جوبي، مدير صندوق إمبريال توباكو للتقاعد منذ عام 1947 والذي كان أكبر خطط التقاعد في بريطانيا آنذاك، بمعارضته للرأي القائل إن السندات كانت آمنة وإن الأسهم محفوفة بالمخاطر لدرجة أنه لا يمكن حيازتها بكميات كبيرة.

وكانت إحدى أولى الخطوات التي اتخذها جوبي هي بيع 2.5 في المائة من أسهم الخزانة، مما يبلور خسارة بلغت 17 في المائة نتيجة انخفاض أسعار السندات وبداية التضخم في فترة ما بعد الحرب.

وفي 1954، أعلن روس جوبي على الملأ أن صناديق تقاعد الشركات يجب أن تستثمر بنسبة 00 في المائة في الأسهم.

ويعتبر الكثيرون أن هذه كانت بداية فترة "عبادة الأسهم" والتي شكلت العلاقة بين المدخرين والشركات وأسواق الأسهم لمدة تزيد على نصف قرن. وفي تلك الأيام، كان جيل الطفرة لا يزالون صغاراً وامتدت التزامات المعاشات التقاعدية لعقود من الزمن. واعتقد روس جوبي أن الاستفادة من الأسهم تكمن في استمرار الشركات على مدار هذه العقود في دفع أرباح الأسهم من الأرباح المتزايدة التي ستواكب ارتفاع معدلات التضخم والأجور.

وحذر كل من بول مارش وإلروي ديمسون، مؤرخين ماليين في كلية إدارة الأعمال في لندن، أنه "ما لم تكن تتمتع ببعد نظر مثالي فيما يتعلق بتوزيعات أرباح أسهم الشركات" يستحيل أن تتوقع لحظة واحدة من لحظات روس جوبي.

وفي النهاية، استغرق جوبي خمس سنوات لتنفيذ خطته، وهي الفترة التي ارتفعت خلالها أسعار الأسهم.

وستستغل صناديق المعاشات التقاعدية المستحقة "الفرصة هذه المرة للتخلص من المزيد من الأسهم" في حالة ارتفاع أسواق الأسهم.

وقال كل من مارش وديمسون :"حتى إذا كنت تعتقد أن الوقت الراهن هو لحظة روس جوبي، فالرسالة هي أنه ليس كذلك بالنسبة لجميع المستثمرين".